16 - 08 - 2024

مدينتي الفاضلة| أين صورة المحافظ في جنائز الزرائب؟!

مدينتي الفاضلة| أين صورة المحافظ في جنائز الزرائب؟!

الشفافية هي سبيلنا الوحيد للنجاة، والمصارحة مفتاح الثقة والمشاركة. مرفوض عدم إعلان أي وزارة عن الأعداد التي جرفها السيل بحي زبالين منشأة ناصر (عزبة الزرايب)، أو قرية الديسمي الزراعية.. لكونهما عشوائيات يسكنها مهمشون فوق جبال في مجرى السيول.

مرفوض حجب حقيقة أنها مناطق تم حصرها وتسجيلها شديدة الخطورة على الحياة من خمس سنين!! مرفوض ادعاء أن المرحوم الزبال غلطان لأنه رفض الابتعاد عن مصدر رزقه. مطلوب المساءلة عن الملايين تكلفة تنفيذ السد ومعالجة مسار السيل، منذ عام واحد فقط!! 

لم يهرع لنجدة الزبالين من سيول الخميس 12 مارس إلا الهلال الأحمر، وجماعات الخدمة المدنية، ولم يأوهم إلا مقر الكنيسة والجامع.. ثم وصلت هيئة الإمداد والتموين التابعة للجيش، الذي يتحمل كل الأخطاء!!

زارتهم وزيرة التضامن طبعا، لتقدير حجم التعويضات المناسبة الكارثة!! لكن اختفي المحافظ حتى من واجب العزاء، ولو للتصوير، وبالتالي تجاهلهم الاعلام!! 

لا زلنا نجهل عدد الضحايا!! ولم تتضمنهم قائمة التعويضات الرسمية!! مع أن الزبالين ماتوا غرقا وسط مخلفاتنا، والقتلى ضحايا خطأ في تنفيذ معالجة مسارات السيول، وربما عدم إنشاء السدود!! 

فهل اختفاء المسئولين يمنع محاكمتهم!! وهل صوت النواح على ضحايا السيول لا يزعجهم!! 

في أول 2015 تشكلت لجنة لتطوير العشوائيات بوزارة الإسكان، وحددت موقع 239 منطقة عشوائية غير آمنة داخل القاهرة، يعيش فيها حوالي مليون مواطن – أكيد أصبحوا الضعف حاليا-.. وجاءت عزبة الزرايب على قمة الخمس مناطق الأخطر على الحياة لأنها على جبل، وفي مجرى سيول، ومعرضة لانهيارات أرضية.. ثم 50 منطقة عشوائية لأنها تهدد الصحة، و170 عشوائية التخطيط لا تلائم الحياة بكرامة.

في شهر 9 اكتملت الدراسات النظرية والعملية، من حصر تعداد، وأنشطة وحالة اجتماعية.. وقدم مشروع التطوير رؤية علمية رائعة تخضع لمبادئ إنسانية، هدفها النبيل هو تحقيق حلم المجتمع الحضاري المتطور الآمن (عيش، كرامة، وعدالة اجتماعية). فقدمت تفاصيل تطوير العشوائيات عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا.. وكان أول مبادئها الشفافية، والتخطيط بمشاركة أصحاب المكان لتأمين مصالحهم!! فصدرت توجيهات ببدء التنفيذ..

وإليكم حكاية زبالين عزبة الزرائب، الذين جرفهم طوفان الفساد الخميس الماضي!

منشية ناصر أو حي الزرائب، هو الأكثر كثافة سكانية، في أفريقيا!! سكانه الأصليين فلاحون نزحوا من الريف لكسب الرزق من تدوير الصلب أيام الاحتلال قبل ثورة 52 ، بنوا مستودعات لبيع مواد البناء وسكنوا بيوت صفيح، وتزاحموا إلى نصف مليون.. وعندما أرادت الدولة عام 1960 بناء مدرسة ومستشفى على أرضهم طالبوا بمساكن بديلة، فمنحهم الرئيس عبد الناصر تصريحا شفهيا بالإقامة في المقطم، فاحتلوا المكان وتوارثوه، وأسموه (بمشيئة) منشية ناصر.. وكان جبليا مقفرا وملجأ للهاربين من القانون، فتكتلوا على سفح الجبل لحماية بعضهم، وبنوا صفوفا متلاصقة ومستودعات وورش على تضاريسه غير المستوية، وتربحوا من بيع لحم الخنازير لليهود والإنجليز، وأطعموها المخلفات العضوية المتوفرة بالقمامة، وامتهنوا جمع وفرز وتدوير القمامة.. وأصبحوا مجتمعا متفردا ومتماسكا وصعب امتزاجه بآخر.. ومستحيل نقل سكنهم بعيدا عن نشاطهم.. عام 2006 مع تطوير المقطم، بدأت شركات خاصة في بناء كمبوندات فاخرة للأغنياء، وعاد الكلام عن نقل سكان منشأة ناصر لأن نشاطهم يلوث مناخ الأثرياء!! وظهرت الجمعيات التنموية لتحسين أحوالهم!

في 2015، قدمت لجنة تطوير العشوائيات خطة كاملة عنهم، شملت حصر أملاكهم وأملاك الدولة.. فظهر أن منطقة الزرائب هي أكبر أحياء الزبالين التسعة كثافة في القاهرة، شاغلوها استقروا فيها وضع يد بلا مستندات ملكية.. الأغلبية يتربحون من تربية الخنازير، وجمع وفرز وتدوير القمامة، أغلب منازلهم تضم ورش تدوير مخلفات، وتقع في مسار مجرى السيول، وتعرضت لانهيار صخري مع سيول 93 و2008!! وأن المنطقة غير آدمية لانعدام البنية التحتية من مياه وصرف وكهرباء!! والخدمة الوحيدة عندهم هي قسم شرطة أنشيء 1990!! ورغم تضرر 70 ألف عائلة من قرار اعدام 300 ألف خنزير في 2009، إلا انهم تعافوا واستعادوا نشاطهم.

وقدمت لجنة التطوير رؤيتها ومنهجها.. وهو إما اخلاء سكان زرائب 15 مايو، لأن مساكنهم معرضة لانهيارات أرضية وشيكة، مع نقلهم مؤقتا، لحين بناء مساكن آمنة وكاملة المرافق والطرق، وإعادتهم بعد التطوير.. أو نقلهم بمشروع متكامل يباشرون فيه نفس النشاط مع توفير كل متطلبات الحياة من عمل وخدمات.. وفي عام 2014 تم تنفيذ مشروع الأسمرات، فلم ينتقل إلا سكان الدويقة وبالإكراه نتيجة انهيار منازلهم.. لكن فشلت محاولات نقل سكان عزبة الزرايب، لبعدهم عن مكان نشاطهم ورزقهم.. ولنفور المدن الجديدة من وجودهم، فتقرر عمل سد ومعالجات لمجري السيل لحمايتهم، نفذوه منذ عام، ويُقال بتكلفة 17 مليون جنيه، وانهار مع اول سيل!!

تميزت هذه الدراسة في رأيي بنبل الرؤية والرسالة والأسلوب، لاعتمادها على "الشفافية" في طرح الواقع والحل، على الحكومة وعلى الشاغلين.. وأرى أن تنفيذها سيقضي على العشوائيات، خطرة وآمنة سلميا، وسيعيد المانحين الفارين، لمساعدتنا في إنشاء مجتمع متكامل بأماكن صحية وذكية للفرز وإعادة التدوير.. ويتبقى علي الدولة إحياء المشروع لإنقاذ الناجيين، مع غلق كروش فساد توزيع المساكن وتخصيص الورش، واختيار الشفافية لإنقاذ الإنجازات.
---------------------------
بقلم: منى ثابت

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | مين قطع النور عن مين؟!